اعلم أنَّ لفظة «مشرشحة» من اللهجة المحليّة، والتي لم أجد لها أصلا في المعاجم التي في حوزتي. وأقترح على مجامع اللغة العربية أن يوصوا بإضافتها إلى المعجم لما لها من دلالة، بما يصعب أن نجد لها مثيلا دقيقاً في اللغة الفصيحة.
وربما يكون أصل الكلمة آرامي– سرياني. وعلى أية حال فالفعل: شرشح شرشحةً ومُشرشِح ومُشَرشَح، والمرأة شرشوحة، والمذكر شرشوح. وهي أقرب إلى لفظة «بهدلة»، وهي أيضاً غير فصيحة في معناها المتداول. غير أنَّ الكلمة موجودة في المعجم: بهدل في مشيه: أسرع واهتزَّت بهدلته. والبهدل جرذ الضبع، وطائر أخضر أيضاً. البهدلة أصل الثدي ولحمة من العنق فوق الترقوة. ولست أرى ما يمنع من إغناء المعجم الوفيّ الفصيح بكلمات من العامية متداولة وتعطي معنى دقيقاً في الكلام كـ«بهدلة» أيضاً.
ومعنى كلمة شرشحة المتداولة في بلاد الشام والعراق ومصر- ولست أدري إذا كان أهلنا في المغرب أو جزيرة العرب يستخدمونها- حالة مذمومة ليس فيها جمال وذوق وأناقة. والفعل يوحي بنوع من التعنيف الشديد السالب للصفات الحميدة.
وحياتنا العربية في حقيقة الأمر وفي هذه الأيام، حياة مشرشحة.
الحرية في النزع الأخير، مطعونة من دبر ومن قبل حتى لم يعد في جسدها مكان إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح.
ولولا بعض الروائيين وكتّاب السيناريو والممثلين والمفكّرين والشعراء والفنانين التشكيليين والذين لا يشكّلون إلا نسبة ضئيلة من ألوان الحياة، لكانت الشرشحة مطلقة. وكثيرٌ مما ذكرت مشرشح.
ولا تتوقَّف الشرشحة عند هذا، بل تطال عالم الوعي الذاتي. بعضنا يعي ذاته على أنه شرشوح بالقياس إلى الإنسان الغربي. ففي أي حوار تجد المتحاورين يشيدون بحياة الغرب وإنسانه ونظامه وديمقراطيته وصناعته.. الخ، ويذمُّون حالنا المشرشح.
لا إنسان في المكان المناسب له، حتى المهن التي كانت الأجيال تتوارثها وتتقنها تشرشحت.
اللياقة بوصفها سلوك احترام غابت.
نريد أن نعيد إلى الحياة أناقتها التي فقدتها.
أنا لا أعرف كيف، ولكن يجب الدعوة إلى استعادة أناقة الحياة، النقيض المطلق للحياة المشرشحة.
الرئيسية 
