عُثر على جثة المواطنة (ع-ص) داخل غرفة أحد المستودعات في منطقة البويضة (التابعة إدارياً إلى محافظة ريف دمشق) وهي مضرجة بالدماء، بعد تعرّضها لعدة طعنات في منطقة الصدر وضرب الرأس بحجر أدّى إلى وفاتها.
وعلى الفور سارعت دورية من مخفر شرطة السبينة إلى مسرح الجريمة ونظَّمت الضبط اللازم حسب الأصول القانونية.
وتبيَّن، بحسب ضبط الشرطة، أنَّ المغدورة (ع-ص) في العقد الثالث من العمر وتعيش مع طفلتيها وزوجها (أ-ص)، الذي يعمل ناطوراً لأحد مستودعات النايلون الموجودة في منطقة البويضة لدى شخص يدعى (س-ش). وجاءت تفاصيل الجريمة، حسب ما أكدته إفادات كل من الزوج (الناطور) وصاحب المستودع، بأنَّ هذا الأخير طلب من زوج المغدورة الذهاب إلى أقرب مطعم في محلة البويضة لإحضار طعام الغداء للعمال ولزوجته وأطفاله. وبالفعل، لدى عودته إلى المستودع وقيامه بتوزيع الطعام على العمال، ذهب باتجاه مسكنه ليعطي الطعام إلى زوجته أيضاً، لكنه بدأ الصراخ بعد أن صعد إلى سطح المستودع، منادياً: «مرتي مقتولة.. الحقوني.. الحقوني..». وبمسارعة العمال وصاحب المستودع إلى الغرفة، شوهدت زوجة (أ- ص) وسط بركة من الدماء مفارقة الحياة. وكشفت التحقيقات، من قبل إدارة الأمن الجنائي في محافظة ريف دمشق وقسم شرطة السبينة، ملابسات جريمة القتل، بعد أن اتجهت الشكوك، بدايةً، نحو الزوج، الذي أكّد أنه من أصحاب السوابق في مهنة الدعارة. ونظراً إلى سوء أحواله المادية ومعرفته عدداً من بائعات الهوى من خلال عمله السابق على سيارة تكسي عمومي، عرض على زوجته (المغدورة) العمل بالدعارة، فوافقت على حدّ قوله على ذلك، وباشرت العمل بالدعارة قبل أربعة أشهر من مصرعها.. يضيف الزوج: «أقوم بإحضار أشخاص لممارسة الجنس مع زوجتي لقاء المنفعة المادية، وأحياناً أ**’ عن طريق صديقاتها. وعليه أتقاضى منها كل النقود». ويتابع الزوج: «اصطحبت زوجتي أكثر من مرة إلى عدد من المزارع الخاصة في منطقة ال**داني للغاية نفسها»، مشيراً إلى أنَّ زوجته كانت تملك خطي خليوي تستخدمهما على جهاز نوكيا لونه أحمر؛ الخط الأول تتلقّى منه المكالمات الهاتفية من الأشخاص الذين يمارسون الجنس معها، والآخر خاص بأسرتها.
صرخة دامية
يقول (أ-ص) في يوم الحادثة: «بعد عودتنا من محلة الزبداني، جاء اتصال هاتفي لزوجتي من أحد الأشخاص في منطقة داريا، وعليه أكملنا الطريق باتجاهه وأحضرناه معنا إلى المزرعة، حيث قام بممارسة الجنس مع زوجتي وقبضت منه مبلغ 2000 ل.س. قمت بعدها بإيصاله إلى داريا. وخلال عودتي إلى المزرعة، غادرت مع عاملين من المستودع، وأخذنا بضاعة إلى مستودع آخر في منطقة حرستا». ويلفت (أ-ص) إلى أنه، وقبل ذلك، أخبرته الزوجة بأنَّ شخصاً ما سيحضر إليها بقصد ممارسة الجنس معها أيضاً من الزبداني. وأضاف زوج المغدورة: «بعد توصيل البضاعة رجعت إلى المزرعة، وأيضاً طالبني (س-ش) بإحضار الطعام للعمال. وبالفعل رافقتني الصغيرتان إلى مطعم في البويضة، تاركاً زوجتي تتبرج وتتزين بالكحل والبودرة، فهي على موعد مع شخص من ال**داني. وبعد غيابي لأكثر من ساعة، مررت خلالها على صيدلية في المنطقة لشراء واقيات ذكرية لزوم العمل، وبعد أن وصلت إلى المستودع ودخلت الغرفة مع طفلتي، وجدت زوجتي ممددة على الأرض لاتحرّك ساكناً وتغرق ببحر من الدماء. وهنا كانت صرختي أنا وأطفالي لطلب المساعدة. وبالفعل توجّهت إلى السطح وأنا أستنجد الجوار الذين هرعوا إلى المكان».
دليل قاطع
تابعت الجهات المختصة التحريات في موضوع الجريمة وتفاصيلها، وكان هناك الجوال العائد إلى المغدورة. وكان الرقم التسلسلي الذي عملت عليه أحد الخطوط الخليوية الخاصة بالمغدورة، وماتردد من مكالمات صادرة وواردة، إضافة إلى شاهد العيان (أ- ف) الذي كان يقوم برعي أغنامه جانب مستودع النايلون.. دليلاً قاطعاً وكافياً لتحديد هوية القاتل بسرعة، حيث أكد شاهد العيان رؤيته شاباً لايتجاوز عمره 22 عاماً قام برمي السلام عليه أثناء مروره في المنطقة المحاذية للمستودع؛ يقول (أ-ف): «لا أعرف الشخص لامن قريب ولامن بعيد. نعم رأيته يهرول نحو المزرعة التي تقع خلف المستودعات، وبدا عليه أنه يقوم بمعاينة المكان بالنظر من الثقوب الموجودة داخل الجدار المحيط بها، ثم التفّ حول الجدار ليتجه نحو باب غرفة المستودع التي لم تكن ظاهرة لي. واختفى الشخص لعشر دقائق».. ويؤكد شاهد العيان رؤيته نفس الشخص يخرج من الباب الآخر للمزرعة في الجهة الشرقية وهو يركض بسرعة باتجاه الأراضي الزراعية، ومعه شيء ما يقوم بوضعه في جيوبه. ولفت (أ-ف) إلى أنه يستطيع تحديد هوية القاتل فيما لو تمَّ إلقاء القبض عليه.
أهبة الاستعداد
وبالعودة إلى موضوع جهاز الخلوي، فقد تبيّن أنَّ الرقم التسلسلي الخاص بجهاز المغدورة مستخدم من قبل شخص آخر يدعى (م-ط). وبالتحقيق معه، أنكر ملكية الجهاز، لكنه اعترف بملكية الشريحة، وهي مسجلة باسمه الشخصي، لكنه استغنى عنها لمصلحة شقيقه (ع-ط)، الذي لم يكن يحمل هوية شخصية حينها. وبالفعل تمكَّنت الجهات المختصة، بعد البحث والتحري، من إلقاء القبض على المدعو (ع-ط) شقيق (م-ط) في منطقة حزة والعثور بحوزته على جهاز خلوي (نوع نوكيا أحمر اللون)، وجرى عرض المشتبه فيه على زوج المغدورة، الذي أكد تماماً أنَّ الجهاز ذاته عائد إلى زوجته المغدورة. وباستجواب المدعو (ع-ط)، وبعرض الجاني أيضاً على شاهد العيان المدعو (أ-ف) -راعي الأغنام- تعرّف عليه بسرعة، مؤكداً أنه نفس الشخص الذي رآه يدخل ويخرج من حرم المزرعة، وذلك في يوم الحادثة، وهو على أُهبة الاستعداد للإدلاء بشهادته كاملة أمام القضاء المختص.
وبعد مواجهة (ع-ط) بالحقائق أُصيب بانهيار عصبي واعترف بإقدامه على قتل المغدورة (ع-ص)، التي تعرّف عليها -حسب إفادته- عن طريق صديقة لها تُدعى (ح). وبعد تردّده عليها في مسكنها في غرفة مستودع في البويضة لممارسة الجنس معها عدة مرات ودفع مبالغ مالية لقاء ذلك، وقع خلاف بينهما ليلة الحادثة، حيث طلبت منه النقود قبل ممارسة الجنس؛ لأنَّ شخصاً ما حصل على مبتغاه منها مقابل مبلغ 5000 آلاف ل.س لكنه لم يسدّد لها قرشاً واحداً، أي أنه احتال عليها؛ يقول «ع-ط» (القاتل): «(ع-ص) طلبت النقود مني لكنني وقتها لم أكن أملك أيَّ مبلغ من المال. وعليه أجبتها بأنني لم أخلّ معها طوال معرفتي بها». ويضيف (ع-ط): «المرأة وجّهت لي الشتائم بقولها (كلكم نصابين). وهنا لم أحتمل ما قالته لي. وعليه قمت بشدّ يدها باتجاهي لأمارس الجنس معها عنوة، لكنها بصقت في وجهي، عندها ضربتها، ما أثار غضبها.. ولم تلبث أن أشهرت موسى كباساً كنت أحمله في جيب البنطال الخلفي الموضوع على الفراش ووجّهته نحوي قاصدة قتلي، فقمت بمسك يدها وليّ ذراعها حتى حصلت على السكين وطعنتها في صدرها. وحصل خلالها عراك بيني وبينها، وحاولت ضربي بأداة تشبه «القفل» ليتطوّر العراك إلى طعنات عدة». يتابع القاتل: «على الفور ارتديت سروالي محاولاً الخروج، لكنها حاولت النهوض مستندة على الحائط وكانت الدماء تنزف من فمها وصدرها وهي تصرخ. ومع عودتي إليها رفستها بقدمي لتسقط مرة أ**’. ومع محاولة ثانية للهرب نسيت الكنزة، ثم عدت لأخذها لكنني تفاجأت بأنها مازالت على قيد الحياة، فبحثت بجانب الغرفة عن أداة حديدية، حيث وجدت (بورية) طولها ربع متر وضربتها على رأسها، لكنها تابعت الزحف باتجاه الباب، فلم أجد أمامي سوى قطعة بلوك جلبتها من خارج الغرفة وقمت برميها على رأسها مرة واحدة فقط. ولم أكتف بذلك، بل ذهبت إلى المطبخ وأحضرت سكيناً قبضتها ذات لون أبيض وطعنتها بها طعنة واحدة فانكسرت السكين لأغادر المكان على الفور متجهاً إلى منزلي في محلة حزة». وأشار القاتل إلى أنه قام بسلب المغدورة جهاز الخلوي الخاص بها واستخدمه لأغراضه الشخصية ثم قام برمي الشريحة التي كانت تستخدمها على الطريق أثناء سيره.
تقرير الطبيب الشرعي
ذكر تقرير الطبيب الشرعي أنَّ سبب وفاة المغدورة (ع-ص) ناتج عن النزف الصاعق نتيجة طعنها بثلاث طعنات في منطقة الصدر وكسر في الرأس، ما أدّى إلى توقف القلب والتنفس وحدوث الوفاة قبل أربع ساعات من الكشف على الجثة.
وعليه قامت الجهات المختصة بتسليم الجثة إلى ذويها، ليصار فيما بعد إلى دفنها حسب العادات والتقاليد في مكان وزمان معلومين.
بوابة القانون مع المحامي الأستاذ مهند السنجقدار
حادثة القتل من الحوادث المتكررة بشكل كبير في مجتمعنا.. وملابسات القضية، من حيث دوافع القاتل لارتكاب فعله، تمَّت بسبب سافل وهو ارتكاب الفجور دون رضا، ولو كانت المغدورة تمارس مثل هذه الأفعال. وإن نظرنا إلى هذا الموضوع من ناحية أسرية اجتماعية، فكيف بزوج يحضّ زوجته على الفجور بموافقته مع إقناعها على الموافقة كما يهيّئ لها الوسائل؟!.. وهنا نتساءل: ماذا عن التفكك الذي أصاب هذه الأسرة وما مصير الطفلتين البريئتين اللتين لايتجاوز عمر الكبيرة منهما الخامسة.. فهاتان حُرمتا حنانَ الأم وعطف الأب؛ إن كان في هذه الأسرة عطف وحنان ودفء أصلاً؟!.. وأنا، من خلال تعمقي في هذه القضية ودراستها من ناحية الجريمة والعقاب (دائماً وأبداً)، لاتوجد جريمة كاملة، وإنما يترك الجاني خلفه خيطاً رفيعاً لكشف الجريمة التي تتطلّب كادراً تحقيقياً قانونياً واسعاً مثقفاً في مثل هذا النوع من الجرائم. وهذه الجريمة تمَّ اكتشافها عن طريق الرقم التسلسلي لجوال المغدورة لا عن طريق المكالمات الصادرة والواردة. وهذا صعب جداً. وأيضاً ما ساعد في كشف الجريمة والتعرف على الفاعل هو راعي الأغنام، الذي شاهد دخول الجاني وخروجه بعد عشر دقائق.
ومن الناحية القانونية، فإنَّ قانون العقوبات السوري العام عاقب على الحضّ على الفجور في المواد 509-510-513 - 515. وهي عقوبة جنحوية الوصف تصل العقوبة فيها إلى الحبس حتى ثلاث سنوات، ويجب أن تشدّد العقوبات المذكورة وفقاً لمنطوق المادة 247؛ ذلك لأن الفعل هدّد أمن هذه الأسرة وأمن أسر المجتمع كلها.. بمعنى أن تزداد العقوبة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة- هذا بالنسبة لزوج المغدورة.
أما القاتل الأصلي، فإنَّ قانون العقوبات السوري في المادة 534 يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً إذا ارتكب: 1 - لسبب سافل 2 - تمهيداً لجنحة أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها (وهنا تمَّت الجريمة تسهيلاً للفجور) 3 - للحصول على المنفعة الناتجة عن الجنحة 4 - في حال إقدام المجرم على التعذيب أو على الشراسة نحو الأشخاص.
ومن هنا أتوجّه بالشكر إلى قيادات الفرع 225 على مابذلوه في سبيل المحافظة على الأمن والسلامة للمجتمع، كما أشكر قيادات فرع الأمن الجنائي في محافظة ريف دمشق على الجهد المبذول في التوسع بالتحقيق وكشف الفاعل الأصلي للجريمة خلال مدة قصيرة جداً، والشكر كلّ الشكر لرئاسة النيابة العامة في ببيلا والسيد قاضي التحقيق الأول في ببيلا لما بذلوه ويبذلونه في العمل المتواصل والدؤوب في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل بأفضل صورة.